غالبا ما يطرح السؤال عن المرجعية والتوجه السياسي والاقتصادي للمغرب، وذلك بسبب الاختلافات التوجهية للحكومات المتعاقبة على البلاد. وما لا يتغير ويظل ثابتا في الدستور المغربي هو أن المغرب مملكة ملكية دستورية تعتمد على الإسلام كديانتها الرئيسية وتستمد قوانينها منه. كما أن المملكة اعتمدت الليبرالية منذ الاستقلال لتعزيز مفهوم السياسة والاقتصاد
يؤكد دستور 2011 على أن المغرب مملكة ملكية دستورية، وتعتمد على الديمقراطية كمنهج أساسي لتعيين أعضاء البرلمان وأعضاء المجالس البلدية. ومنه اختيار الحكومة وتشكيلتها. وقد اختار المغرب المنهج الليبرالي السياسي بعد استقلاله من الحماية الفرنسية الاسبانية، وبذلك فإنه تبنى التعددية السياسية وعمل على ضمان الحريات العامة والفردية. أما في ما يهم الجانب الاقتصادي فقد عززالمغرب توجهه الليبرالي في عهد الملك محمد السادس وذلك بتنمية وتطوير الاقتصاد والاستثمارات الخاصة.
سياسيا، تلعب الأحزاب الليبرالية المغربية دور الريادة وذلك منذ ظهور النتائج الانتخابية الأخيرة سنة 2021، وقلبها للساحة السياسية بالمغرب بالخسارة المهولة لحزب العدالة والتنمية، وهو حزب ذو توجه إسلامي ترأس الحكومة لولايتين متعاقبتين من 2012 إلى 2021، من 125 مقعدا برلمانيا من أصل 395 وتكوين الأغلبية الحكومية وترأس الحكومة، إلى 13 مقعدا برلمانيا. وسيطرت حزب الأحرار، وهو حزب ذو توجه ليبرالي، على الانتخابات في جل مناطق البلاد. وهو ما يدل على على عقاب المغاربة للحزب الإسلامي وإعطائهم الثقة للأحزاب الليبرالية الوسطية لتشكيل الحكومة.
الأحزاب ذات التوجه الليبرالي ليست جديدة على الحكومة، فقد كانت ضمن التشكيلة الحكومية السابقة، مثلا حزب الاحرار حمل حقائب وزارية مهمة صبت أغلبيتها في الوزارات ذات الطابع الاقتصادي: وزارة الاقتصاد والمالية، وزارة الفلاحة والصيد البحري ووزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد وغيرها من الوزارات المهمة. وتضم حكومة 2021 تشكيلة مكونة من حزبين ليبراليين: الاحرار والاصالة والمعاصرة وحزب يميني: الاستقلال.
وبذلك فإن الأحزاب الليبرالية في البلاد كانت وماتزال تلعب أدوارًا قيادية مهمة مهما كانت التشكيلة الحكومية وتوجهها. وهو مايتماشى مع التوجه المغربي في إطاره السياسي الذي يحث على التعددية السياسية وحرية الاختيار السياسي. وتلعب هذه الأحزاب، وخصوصا اليوم بكون الحكومة ذات أغلبية ليبرالية، دورا مهما في تثبيت قواعد الحريات الشخصية والعامة والنظر في قوانين تقمع بعضا من الحريات الفردية. وهو ما لم تتردد الحكومة الجديدة بالقيام به إذ التقى وزير العدل السيد وهبي بعضوات اتلاف 490- حركة خارجة عن القانون، وذلك لتدارس أهداف الحركة وضرورة تغيير القانون الذي يجرم العلاقات الرضائية خارج إطار الزواج -كيفما كانت-، وهي قفزة نوعية والأولى من نوعها إذ لم تكن ممكنة في عهد الحكومة ذات الخلفية الإسلامية رغم أنها كانت تشمل أحزابا ليبرالية.
اقتصاديا، يتّببع المغرب المفهوم الليبرالي منذ الاستقلال، وهو ما تعزز أكثر في ظل قيادة الملك محمد السادس بالانفتاح الاقتصادي على قطاعات متعددة والتشجيع على الاستثمارات الفردية. حاليا يُعد المغرب من الدول الأكثر نموا في افريقيا في عدة مجالات كقطاع السياحة، صناعة السيارات وقطع الغيار، الفلاحة، الطاقة الشمسية والهوائية وغيرها من القطاعات الاقتصادية المختلفة. كما أنه اعتمد نظام التجارة الحرة مع دول مختلفة سمحت بإنشاء مناطق صناعية حرة جلبت مستثمرين مغاربة وأجانب على حد سواء للاستثمار بها وخلق فرص شغل متعددة. ناهيك عن إنشاء ميناءات بحرية تنافس الميناءات العالمية في المنطقة المتوسطية وأصبحت تستقبل عملية التبادلات التجارية المتعددة بالمنطقة. كل هذا يدخل في النهج الليبرالي الاقتصادي المتبع في المغرب من أجل نمو يواكب التغيرات العالمية.
وكما ذكرت سابقا، فإنه حتى في ظل الحكومة السابقة، فقد كانت الحقائب الوزارية التي تهم قطاعات الاقتصاد المختلفة في يد أحزاب ليبرالية، وهو على ما يبدو سهّل عملية تتمة النمو الاقتصادي حتى بعد مخلفات كوفيد. إلا أنه وجب ذكر أن الملك محمد السادس يعطي اهتماما وأولوية للتنمية الاقتصادية للبلاد وانفتاحها على دول جنوب جنوب وشمال جنوب لتعاون ممنهج بين الدول. وجب ذكر أنه من بين الاهتمامات الملكية تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع باقي الدول الإفريقية وتعزيز الاستثمارات المختلفة لرجال الأعمال المغاربة في هذه الدول.
بنهج المغرب اللّيبارالي في كل من السياسة والاقتصاد، استطاعت الدّولة تأسيس أحزاب ليبرالية متعددة: ثمانية أحزاب في حدود الساعة، وهو ما يصب في حرية الاختيارات السياسية وحقوق تأسيس الأحزاب، وبذلك إعطاء صوت للشعب المغربي باختيار السياسيين الممثلين له وبذلك ضمان حقوقهم المتعددة والمطالبة بتغيير قوانين تنافي حقوق الانسان والحريات الفردية والعامة. واقتصاديا، بفضل الليبرالية الاقتصادية الممنهجة فإن المغرب يعد من الدول الأكثر تنمية وتجاوبا مع السوق العالمية في منطقة الحوض المتوسطي والشرق الأوسط.
ورغم كل هذا التقدم الملحوظ، إلا أنه مازال التحدث عن الليبرالية بالمغرب يعد أمرًا يُتحفظ عليه بسبب سوء الخلط بين المفاهيم، وهو ما أُثير عقب تولي الأحزاب الليبرالية التشكيلة الحكومية وتحدثهم عن “المغرب من بلد إسلامي لبلد ليبرالي”، هذه الجملة لوحدها أثارت حفيظة الإسلاميين وإلصاقها تهمة تغيير مبادئ الدستور على الليبراليين. حتى على سعيد المجتمع، يرفض عدد كبير من المغاربة التغييرات التي قد تضمن بعضا من الحقوق والحريات الفردية كقانون 490 وغيرها من القوانين. وبذلك فإن الأحزاب الليبرالية تطمح للحفاظ على “القواعد المجتمعية المغربية” والحقوق التي تضمنها أو تناشد بها الليبرالية. وهو أمر صعب ويتطلب تغييرات وحملات متعددة.
في الأخير، المغرب مملكة دستورية إسلامية ذات إطار ليبرالي يسمح للنهوض بالحريات الفردية والعامة ويضمن الحريات السياسية ويشجع على حقوق الملكية والاستثمارات الشخصية. يبدو أن المغرب يعتمد ليبرالية تتماشى مع المجتمع المغربي، وكما تبدي الحكومة الجديدة تشجيعها على النهوض بحريات وحقوق أخرى لتواكب العصر. الطريق ما تزال طويلة للتغيير، وعلى كل من أفراد المجتمع أن يساندوا التغيير لضمانه.